ظلَّ توليد الطاقة - لسنوات عديدة - يعتمد على حرق الغاز الطبيعي، نظراً إلى توافره وفاعليَّته، ولكنَّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عنه تسهم في تغير المناخ، ولذا سعت دول العالم، ولا تزال تسعى، إلى تقليل هذه الانبعاثات بتبنِّي مصادر طاقة نظيفة ومتجددة، وإطلاق استراتيجيات الطاقة لإزالة الكربون، ومن ضمنها الهيدروجين بصفته مكوناً رئيسيّاً لمزيج الطاقة النظيفة لكوكب الأرض.

وتشير التقديرات إلى أن الهيدروجين يمكن أن يلبي أكثر من 10 في المئة من احتياجات الطاقة في العالم بحلول عام 2050. والهيدروجين من أكثر ناقلات الطاقة المتاحة اليوم فاعليَّةً، إذ يحتوي على نحو ثلاثة أضعاف الطاقة بالكتلة مقارنةً بالبنزين، وتُحرَّر هذه الطاقة عندما يتَّحد الهيدروجين مع الأكسجين لإنتاج الماء بصفته منتجاً ثانويّاً من دون انبعاثات.

وعلى الرغم من أن الهيدروجين هو العنصر الكيميائي الأكثر وفرةً على الأرض (75 في المئة من كتلة الكون الموجودة في الماء والنباتات والحيوانات والبشر)، فإنه نادر جدّاً بصفته غازاً (أقل من جزء واحد في المليون من حيث الحجم). ويمكن إنتاج غاز الهيدروجين من مصادر متنوعة، منها الوقود الأحفوري، والكتلة الحيوية، والتحليل الكهربائي للماء.

وبناءً على طريقة الإنتاج يُعطَى الغاز غير المرئي رموز ألوان مختلفة تصف التأثير البيئي، والأكثر شيوعاً (95 في المئة من إنتاج الهيدروجين) هو الهيدروجين الرمادي المنتَج من الغاز الطبيعي من دون التقاط ثاني أكسيد الكربون المنتَج ثانويّاً. وعند احتجاز ثاني أكسيد الكربون، وتخزينه، يُطلق عليه الهيدروجين الأزرق، أو «الهيدروجين المنخفض الكربون».

أما الهيدروجين الأخضر، فهو الذي يُصنَع باستخدام الكهرباء النظيفة من مصادر طاقة متجددة، مثل الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح، لتفكيك الماء إلى هيدروجين وأكسجين من غير انبعاثات. ويوفر الهيدروجين الأخضر طريقة لتخزين فائض الكهرباء من المصادر المتجددة، واستقرار إمدادات الطاقة. ولكنَّ التحدي الأبرز لاستخدام الهيدروجين على نطاق واسع هو إيجاد الطلب، فعلى الرغم من تزايُد الطلب العالمي على الهيدروجين نحو 3 في المئة عام 2022 (95 مليون طن)، فإنه لا يزال مركَّزاً في التطبيقات التقليدية، وهي إنتاج الأمونيا (المستخدَمة في إنتاج الأسمدة)، وتكرير النفط، وإنتاج الميثانول، مع تغلغل بطيء في الاستخدامات الجديدة، مثل توليد الكهرباء والنقل. وتوجَد حاجة إلى نمو قوي للطلب على الهيدروجين، واعتماد تقنيات أنظف لإنتاجه، بهدف تمكينه من الإسهام الفعَّال في المبادرات الاستراتيجية للحياد المناخي.

ويُعَدُّ الهيدروجين مثيراً للاهتمام -على نحو خاص- في القطاعات التي يصعب وقف الانبعاثات منها، مثل صناعات الفولاذ والأسمنت، والشحن لمسافات طويلة، والطيران. ومع ذلك ظلَّ إنتاج الهيدروجين المنخفض الانبعاثات (الأخضر والأزرق) أقل من 1 في المئة من إنتاج الهيدروجين العالمي في عام 2022، بسبب الافتقار إلى سياسات لإيجاد الطلب، والبنية التحتية للإمداد، في حين أنه يمكن خفض تكلفة إنتاج الهيدروجين النظيف واستخدامه بزيادة الإنتاج (تبلغ التكلفة ثلاثة أضعاف تكلفة إنتاج البنزين حاليّاً).

ويُعَدُّ نقل الهيدروجين وتخزينه تحدياً أيضاً. وغالباً ما يُنتَج الهيدروجين اليوم، ويُستهلَك في الموقع نفسه من دون الحاجة إلى بنية تحتية للنقل، ولكنْ مع زيادة الطلب عليه، وظهور استخدامات جديدة موزعة، تبرُز الحاجة إلى تطوير بنية تحتية تربط بين مراكز الإنتاج ومناطق الطلب. وخطوط الأنابيب هي الوسيلة الأكثر فاعليَّةً لنقل الهيدروجين مسافات تصل إلى ثلاثة آلاف كيلومتر.

وأمَّا في المسافات الأطول، فيُخزَّن الهيدروجين ويُشحن مسالاً بسبب كثافة طاقته المنخفضة، ولكنَّ ذلك يشكل تحديات تقنية، لأن صهاريج التخزين يجب أن تكون قادرة على تحمُّل خمسة آلاف رطل/ بوصة مربعة، ويمكن أن تزن ما يُقدَّر بنحو 65 ضعف ما يمكن أن تحتويه من الهيدروجين. والبديل هو نقل جزيئات تحتوي على الهيدروجين مثل الأمونيا والجزيئات العضوية، وتخزينها، ولا شك في أن هذا التحدي يظل مجالاً لمزيد من البحث والتطوير. وبالنسبة إلى التطبيقات الثابتة، مثل تخزين الطاقة لشبكة كهربائية، فإن كثافة الطاقة أقل أهمية، إذ يمكن تخزين الهيدروجين بكميات كبيرة تحت الأرض في حقول النفط والغاز المستنفدَة.

وبناءً على ذلك، فإنه لكي يصبح الهيدروجين بديلاً - قابلاً للتطبيق - للغاز الطبيعي، يجب إنتاجه اقتصاديّاً على نطاق واسع، كما يجب تكييف البنية التحتية الحالية. ويتزايد الاهتمام بالهيدروجين على الصعيدَين الإماراتي والعالمي، ويُتوقَّع أن يصل الطلب العالمي على الهيدروجين المنخفض الكربون إلى 350 مليون طن سنويّاً، وإمكانيات السوق إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2050.

وفي الوقت الذي أعدَّت فيه 45 دولة استراتيجيات هيدروجين وطنية، أو تعمل بنشاط على تطويرها، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة في وضع جيد لتكون رائدة في مجال إنتاج الهيدروجين المنخفض الكربون، الذي سيُمكِّنها من تنويع اقتصادها عن طريق التوسُّع في الصناعات القائمة، ونمو الصناعات الجديدة، وسيسهم في مبادرة الإمارات للحياد المناخي 2050. وتطمح دولة الإمارات إلى زيادة إنتاج الهيدروجين إلى 1.4 مليون طن سنويّاً بحلول عام 2031، و15 مليون طن سنويّاً بحلول عام 2050، وإنشاء خمسة مراكز لإنتاج الهيدروجين بحلول عام 2050.

ووفقاً لخريطة الطريق الخاصة بالهيدروجين، تستهدف دولة الإمارات 25 في المئة من الحصة الإنتاجية في أسواق التصدير الرئيسية للهيدروجين المنخفض الكربون ومشتقاته بحلول عام 2030، ومنها اليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، وأوروبا. وتشمل المبادرات الداعمة لهذه الأهداف مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي، الذي يُعَدُّ أول مشروع هيدروجين أخضر في المنطقة يعمل بالطاقة الشمسية، وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) التي تخطط لتوسيع إنتاجها من الهيدروجين الأزرق (أكثر من 500 ألف طن/ سنة)، وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، التي تطمح إلى إنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2031.